النسوية واختلال المعايير
- أحمد القاضي

- 11 أغسطس 2020
- 4 دقيقة قراءة

أنا الناشئُ في عصر النسوية، والمجتمعات المدنية، والمنظمات الحقوقية التي هي أبعد ما يكون عن الحقوق، والمجتمعات الإنسانية التي هي أول من يسعى لشرذمتها، وتعمل ضدها، ومنظمات الحريات التي هي أخر من يطبقها، وأول الأولين في انتهاكها، وخرق قدسيتها؛ وهم يعرضون لفكرهم عرضا إجباريا خاليا من الحرية في ذاته، وأنَّ كل من عادى أو خالف ذاك بات من المتخلفين القدامى، أو الأميين الجهلاء.. بالله أستبدلتم بالعقول حباتِ الباذنجان؟
أوجه بالدُوَلِ أن تضربها بيدٍ نُوَويةٍ (أي في شدة العزم والتقرير) ناسفةٍ الطغيانَ الثقافيَّ الزاحفَ ، والواتِرَ الأممِ هُوِيَّاتِهنَّ وَتْرًا، والعاقِرَ قوميَّاتِهنَّ تَتْرًا، وأن تقطع على عولمة الأمة كل مساراتها التقدمية، حفاظا على ما تبقى من مواردنا الشبابية- القلائل- من الانفلات باسم العصرية، والضياع باسم التحرر، والهواء في براثن الخَطَر الفاتنِ باسم الحضارة والتقدم؛ فتلك الحضارة العفنة بأفكارها النتنة ما هي إلا كسمكة المصباح المضيء التي تغرر بفرائسها حتى ينجذبْنَ إعجابا؛ فتفتك بهن بلا وداعة ولا شفقة.
المرأة اليوم رجلا كاملا لا يُنتقصُ إلا قضيبا، وكثير من الرجال قد أضحى سليب كل شيء من رجولته إلا قضيبا.. وقد لا يعمل بعضَ حين! وتُذَكَّرُ الرجالات لأن عوراتهم مستوراتٍ وراء أحجبة الأُزُر، وإنهنَّ لو فُضِحْنَ لهتيكاتٌ.
اللعنة عليك أيا أيها الـ قاسم أمين! ومن تبع ثراك، وعلى مدرستك المتهتكة التي جعلت الهرة تستبيح بمخالبها أنيابَ الكلاب، وجعلت الكلب "يعمل ألف حساب" لكل قطة تافهة القِوى والقوام، تختبئ في محرك سيارة قديمة بالية، حتى الفئرانُ أصبحت لها إيلافًا.
وإن قاسمًا ليس بداعر ولا خبيث، وإنْ كان عيسى إلا رسولا هاديا، فغيَّر اللاحقون رسائلَه، وكان عليٌّ من بعده جوادا بالحسنى والرشاد، فجعلوه رأسا للفتنة والمذهبية والطوائف التي هو منها براء، وإن قاسمًا في حديثي لا يُمثل نفسَه، وإنما خَلْفَه الأسافل- بتياراتِهم المُحْدَثة- الذين حادوا عن إحقاق الحقوق المسلوبة والعدالة، إلى جور المساواة التي لا تحقق إلا قلبًا للموازين، وفتكًا بتجانسية المجتمع، حتى صار النساء حَكَمًا ومتحكمات، وأدت بالرجالات إلى داهية التمييز الضدي الذي سلبهم هم أكثر مما أَوْلَى بالنساء أو تفضَّل عليهنْ، حتى عادت عبادة اللات عصرية، وخرقوا دعوى God is women التي انتهت أخير بـ Women is God.
نعم، أيُّهذا، لقد غيرتَ مدارَ الكون، حتى كأنَّ الشمسَ لمشرقةٌ من أقاصي المغرب، والقمرَ يضوي بدل الليل في النُهُر، وكل ذلك باسم حرية خبيثة، إن كفلت فكفلت التعري، والتخلُّع، والتبرج، والإجهاض، والمُخادنة، والسفاح، بل والبغاء، والأُبْنَة في الذكران، كفلت للإنسان حرية أن يكون حيوانا..، وكفلت للحيوان حقوقه بأنْ لا يكون من الآدميين أدنى أو أقل، فساوتهم به جميعا، وأودت بهم في قيعانه النَكراء.
اليوم فسرتُ علاقة هذه التنظيمات بجمعيات حقوق الحيوان: إن مؤسِّسيها ليسوا إلا بهائمَ، تملَّكتهم شهواتهم فساروا ببهيميَّتهم يتنطَّعون ويتشدَّقون، يستميلون بالقدرات الكلامية، والإغراءات الشهوانية، والعروض النقدية أهواءَ الذين هم بفطرتهم فَسَدةٌ فُسَّد، ويُفسدون فطرة السليمين الكِرامَ؛ حتى تتساوى المقامات، وتتداعى الأفضليات إلا بالتَغَلُّبِ الماديِّ، والمهارة الحِسِّيَّة؛ فأنت أعلى مقاما كلما سَفُلْتَ خُلُقا، وأنت أرقى كلما تعرَّيْتَ، وأنت أكملُ كلما انتُقِصْتَ من سلامة الفطرة واحدةً، وأنت أصلحُ كلما استشرى فيك وأستشربت بجوارحك الفسادَ.
أدركتُ اهتمامهم بمملكة الحيوان باسم الطبيعة، ولأن قُطعانَ الأسود حتى الكلاب يحتَكِمْنَ إلى سيطرة إناثهنَّ، وهم لا يمثلون إلا صورةً يهابُها العدو، وتُدَمْدِمُها ربَّاتُ العُرُنِ، وإن الأنثى ثَمَّ لا تُقدِّسُ الذَكَرَ إلا أن يكون ذا إربٍ إذا فَكَّ عن مِئزَرِه الواهي، وكذا صارت مجتمعاتُنا، التي كلما تحضرت تعرت، وكلما تقدمت سفُلت، وكلما ازدانت تبهَّمت وتحيْوَنت.
مجتمع لا تحكم فيه إلا إحدى ثلاث من القوى، إما المال والمُقْتِر، وإما الجنس والمُسْكِر، وإما السِيَاط؛ أما في الأولى فهم أشباهُ جُرَذٍ نتنٍ، لا يألو الجمع ثم لا يشبع، أو طاووسٍ متشيطنٍ يَتِـيـهُ ببداعةِ أجنحةٍ تَعْيَا أن تطيرَ به إلى سامِقِ الطبقات، وأما في الثانية فهم مثل الزراف حيث يسيطر صاحب القضيب الأكبرِ أو الكفؤُ الأقدرُ، وفي الثالثة فهم مثل قطيع الغنم الأهْبَل الذي ينقاد رعبا لطفل عَيْلةٍ أعمى.
عُبِدَت المرأةُ، وقد كان أمانَ قيامِ الساعة أنَّ الحياءَ في جنسها قائمٌ، ونُطِقَ بالسَّفَهِ حتى حَكَمَ مجتمعاتٍ ونطاقاتٍ شاسعةً، وكان الأمانَ من العذاب أنَّ معروفًا باقٍ، وأنَّ الرويبضاتِ سواكتٌ، واسْتَعْلَت كلمةُ الفحش وتَعَرَّت فِعالُه حتى كشفت عن ساقَيها، وقد كان الأملُ ما كُنَّ كوامنَ مستتراتٍ، ألا وقد تهتَّكْنَ وحكمْنَ؛ فلاتَ حينًا يؤمَل فيه، أو يوعَظُ: إنَّ القلوب مَيْتة، والجوارحُ ثَكْلى، والقِيَمُ نازفة، والأركانُ بالحرية مُكَبَّلَةٌ مُقلدة، والعزائمُ خائرة، والصدور مريضة، والنفوس خبيثة، أو ضعيفة، والفواحش حُبْلى، لا تنينَ أن تضعْنَ مُستكثراتٍ، ووليداتُها يُولدْنَ مستفحلاتٍ كما توجد الفتن، هيهات هيهات!
إن تلك الدعاوي كلهن لباطلات، وإن قبول الدعارة والرذالة باسم التسامح وتقبل الآخر لإمرٌ نُكْرٌ، يُعنى به أن تشيع الفاحشةُ، فلوما تشيعُ بالتبعية والارتكابِ؛ فإنها تشيعُ بالصمت، والإرهاب الذي يَسِمون به كلَّ من أبِيَ أو تأبَّى، وعلى المُتقبِّل المتسامحِ أن يدعَها تتوغل وتتغوَّل، حتى تصل يوما إلى قعر قلبه فيألفَها ويستشربها، ويسقط في فِتْـنَـتَها أهلوه وذووه من بعده.
وإني لواضح صريح في أن الرفض ليس إلا رفضا فكريا واختلافا من الأحرى أن تكفلَه الحريةُ ذاتُها التي ابتدعوا قوانينها، ولكنهم أبَوا إلا أن تكونَ الحريةُ حريتَهم، لا حريةَ غيرهم، والفكرُ فكرَهم، لا فكرَ غيرهم، أليست هي "منظمات أبوهم"؟ وقد موَّلوها بأموالهم، وأسسوا لها على أُسُسِهم وشرائعهم؟ وهذا هو نفسه نوع الرفض الذي تمارسه سلطاتُهم حينما يفرضون الحصار السياسي والاقتصادي والثقافي على دولة مناقدة لمعايير «حريتهم المزعومة» مثل إيران أو كوريَّة! وهذا هو الرفض الذي عليك ممارسته مع المُغايرين لثقافتك، الهدَّامينَ لها بالكلمةِ، أو بالفكرة، أي ترفضهم رفضا نفسيا لا اعتداءً ولا تعديًا، أما قبولك فليس تسامحا وإنما هو مصداقٌ لقوله «إنكم إذًا مثلهم» وكم من شريفٍ شريفٌ لأن العاهرةَ لمَّا تأتِه.
قبول المثلية ليس مثاليةً، ولا تحري المفاسدَ والخلاعةَ حريةً، وليست موافقةُ العُري تعريًا من القيود والأغلالِ، ولا التحايل على المسميات تنويرًا وتحضرًا، الرجوع إلى المبادئ ليس رجعيةً، ولا الحفاظُ على القيم أصوليةً ولا تخلُّفًا، وكيف يجرؤون؟ وجميع الأحزاب التي تحكم أوروبا اليوم هي الـ Conservative أي الأحزاب المحافظة، التي تضطهد المُختلف، وترفض الأجانب عامة والعربَ من أبناء العالم الثالث خاصة، وتؤرهِبُ المسلمين حتى من بني جنسياتهم، وترفض الحريات باسم الحرية، وتطبق الظلم باسم العدالة.. أليس هذا دور الإعلام المزيِّنِ الذي يقلب الحقائق؟ ويَخفي بواطن المفسدة بمظاهر الإصلاح؟ ويهتم بالمسميات والعَنْوَنَـةِ أكثر من أن يراعي المقالةَ أو المضمونَ؟ ويحَ التابعين على عمى! ويلَ الساكتين على علم!
وأختم ذلك أقول إن حرية المرء يكفلها له التشريع السماوي والوضعي (القانون) بأن يُذنبَ ويَفْجُرَ ما شاء سرًّا دون جَهَار، فإنْ هو تعصَّى على العُرفِ والمألوفِ، وأراد تقليبَ الأهواء بالدعوات المُفسِدة، ونادى بالخروج عن المجتمعِ؛ فإن العقوبة عليه لزامٌ؛ وعقوبة التشريعِ ينفذها الشارعُ، وأما عقوبة الأفراد فالهِجرانُ وإبداءُ النفورِ، فيما اصطُلحَ عليه علم نفسيًا بالتأديب الجَمْعِيِّ أو الاجتماعي، ولوما كان ذلك لأصبحت حريةُ تاجر المخدرات مكفولةً، وحريةُ متعاطيها الذي يضر نفسه غيرَ مسلوبة أيضا؛ لأن كِلَيهما حر فيما يُقَدِّمُ أو يُقْدِمُ عليه.
لُبِسَت مفاهيمُ الغوى
وتَغيَّر العُنوانُ
باسم التحرُّرِ عُبِّدَ
لو يعلمُ الإنسانُ
باسم المساواةِ اسمعوا
تُسْتقطَبُ النسوانُ
تحتَ العناوينِ التي
خَلَبَت هوَ البهتانُ
إن يعملوا قل فاعملوا
وليُمْهلِ الديَّانُ
سلبوا بربي عقولَهم
واستُهْوِيَت فتيانُ
هذا الزمانُ وفسقُه
غُلِبَت له الأوثانُ









تعليقات